إنه يجب على الشباب المسلم - خاصة طلبة العلم - أن يعملوا على توحيد كلمة المسلمين ، وأن لا يسعَوْا بينهم بالفرقة والنزاع والخصام ؛ حيث أمرنا الله تعالى أن نعتصـم جميعا بحبـله المتين وألا نتفرق في الدين ، قال تعالى :{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُو } (آل عمران 103) وقال سبحانه : (الأنفال 46) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ، وأن نقول للناس الحسن من الكلام ، قال عز من قائل :وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ (البقرة 83) ، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكل ما يؤدي إلى الوَحدة ، حتى جعل التبسم في وجه الأخ صدقة . كما يجب على الشباب أن ينأوا بأنفسهم عن مناهج التكفير وتيارات التبديع والتفسيق والتضليل التي انتشرت بين المتعالمين في هذا الزمان ، وأن يلتزموا بحسن الأدب مع الأكابر من علماء الأمة وصالحيها ، وأي جماعة تتخذ من اسم " السلف الصالح " ستارا لتفرقة المسلمين وسببا للشقاق والنزاع تكون قد لبَّست الحق بالباطل ؛ قال تعالى :وَلاَ تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة 42) . ومن المعلوم أن عقيدة الأزهر الشريف هي العقيدة الأشعرية وهي عقيدة أهل السنة والجماعة ، والسادة الأشاعرة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم هم جمهور العلماء من الأمة ، وهم الذين صَدُّوا الشبهات أمام المَلاَحِدَةِ وغيرهم ، وهم الذين التزموا بكتاب الله وسنة سيـدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبر التاريخ ، ومَنْ كفّرهم أو فسّقهم يُخْشَى عليه في دينه ، قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله في كتابه " تبيين كذب المفتري ، فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري " : " اعلم وفقني الله وإياك لمرضاته ، وجعلنا ممن يتقيه حق تقاته ، أن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ، وأن من أطلق عليهم لسانه بالثلب ، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب " ا هـ . والأزهر الشريف هو منارة العلم والدين عبر التاريخ الإسلامي ، وقد كوَّن هذا الصرحُ الشامخُ أعظم حوزة علمية عرفتها الأمة بعد القرون الأولى المُفَضَّلة ، وحفظ الله تعالى به دينه ضد كل معاند ومشكك ؛ فالخائض في عقيدته على خطر عظيم ، ويُخْشَى أن يكون من الخوارج والمرجفين الـذين قال الله تعالى فيهم :لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً (الأحزاب 60) . أما بالنسبة لحلق اللحية فإن من المقرر شرعًا أن إعفاء اللحية وعدم حلقها مأثور عن النبي صلى الله عليـه وآله وسلم ، وقد كان يهذبها ويأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها بحيث تكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة . وقد كان يعتني بتنظيفها بغسلها بالماء وتخليلها وتمشيطها . وقد تابع الصحابة رضوان الله عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام فيما كان يفعله وما يختاره . وقد وردت أحاديث نبوية شريفة ترغب في الإبقاء على اللحية والعناية بنظافتها، كالأحاديث المرغبة في السواك وقص الأظافر والشارب : فحمل بعض الفقهاء هذه الأحاديث على الوجوب وعليه يكون حلق اللحية حرامًا ، بينما ذهب بعضهم الآخر إلى أن الأمر الوارد في الأحاديث ليس للوجوب بل هو للندب وعليه يكون إعفاء اللحية سنة يُثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها . أما دليل من قال بأن حلق اللحية حرام فهو الأحاديث الخاصة بالأمر بإعفاء اللحية مخالفة للمجوس والمشركين . وروى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ : قَصُّ الشَّارِبِ ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ ، وَالسِّوَاكُ ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ ، وَنَتْفُ الإِبْطِ ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ » قَالَ بعض الرواة : وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ . ويقول أصحاب الرأي الآخر وهم الشافعية : إن الأوامر المتعلقة بالعادات والأكل والشرب واللبس والجلوس والهيئة ..إلخ تحمل على الندب لقرينة تعلقها بهذه الجهات ، ومثلوا ذلك بالأمر بالخضاب والصلاة في النعلين ونحو ذلك . كما أفاد ابن حجر العسقلاني في فتح الباري . وبناء على ما سبق فهناك اختلاف بين الفقهاء بين الجواز وعدمه في مسألة حلق اللحية ، والخروج من الخلاف مستحب ومن ابتلي بشيء من الخلاف وتعذر عليه الخروج منه فليقلد من أجاز . وأما بالنسبة لتقصير الثياب فـإن الأصل في لبس الثياب الإباحة بشرط أن لا يكون فيها إسراف ولا كبر ؛ لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ » رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم ، وعلى ذلك تحمل أحاديث النهي عن الإسبال كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ » رواه البخاري ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » قالها ثلاثًا ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه : خَابُوا وَخَسِرُوا ، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَـالَ : « الْمُسْبِلُ ، وَالْمَنَّانُ ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ » رواه مسلم ؛ فإن ذلك محمول على من فعل ذلك اختيالاً وتكبرًا كما صُرِّح بذلك في أحاديث أخرى كحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما المروي في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ » ؛ فالمطلق منها يجب تقييده بالإسبال للخيلاء كما قال الإمام النووي ، وقد نص الإمام الشافعي على الفرق بين الجر للخيلاء ولغير الخيلاء ، وعقد الإمام البخاري في صحيحه بابًا لذلك سماه ( باب من جر إزاره من غير خيلاء ) وأورد فيه حديثَ ابنِ عمر رضي الله عنهما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال : يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاَءَ » ، وحديث أبي بكرة رضي الله عنه قَالَ : خَسَفَتِ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلاً حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ ، وَثَابَ النَّاسُ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، فَجُـلِّيَ عَنْهَا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا وَقَـالَ : « إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يَكْشِفَهَا » اهـ . وهذان الحديثان صريحان في أن الإسبال المحرم إنما هو ما كان على جهة الكبر والخيلاء ، وما لم يكن كذلك فليس حرامًا ؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا . وقد جعل الشرع الشريف للعرف مدخلاً في اللبس والهيئة ، ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ثوب الشهرة الذي يلبسه صاحبه مخالفًا به عادات الناس فقال : « مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » رواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وحسنه الحافظ المنذري ، ولما دخلت الصحابة فارس صلَّوا في سراويلها ، وتحدث العلماء عما إذا حدث للناس اصطلاح بتطويل بعض أنواع الثياب وصار لكل نوع من الناس شعار يُعرَفون به وأن ما كان من ذلك على طريق العادة فلا تحريم فيه ، وإنما المحرم منه ما كان على سبيل الخيلاء . وينبغي للمسلم المحب للسنة أن يكون مدركًا لشأنه عالمًا بزمانه وأن يحسن تطبيقها بطريقة ترغب الناس وتحببهم فيها فلا يكون فتنة يصدهم عن دينهم ، وأن يفرق فيها بين السنن الجبلية وسنن الهيئـات التي تختلف باختلاف الأعراف والعادات وغيرها من السنن ، وأن يعتني بترتيب الأولويات في ذلك فلا يقدم المندوب على الواجب ولا يكون اعتناؤه بالهَدْي الظاهر على حساب الهَدْي الباطن وحسن المعاملة مع الخلق وأن يأخذ من ذلك بما يفهمه الناس وتسعه عقولهم وعاداتهم حتى لا يكون ذريعة للنيل من السنة والتكذيب بها كما قال سيدنا علي كرم الله وجهه : « حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ ؛ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ! » رواه البخاري وغيره ، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : « مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً » رواه مسلم . وأمـا بالنسبة لقنوت الفجر فإن القنوت في صلاة الفجر سنة نبوية ماضية قال بها أكثر السلف الصالح من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار ، وجاء فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ ، وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا "، وهو حديث صحيح رواه جماعة من الحفاظ وصححوه – كما قال الإمام النووي وغيره – وبه أخذ الشافعية والمالكية في المشهور عنهم ؛ فيستحب عندهم القنوت في الفجر مطلقًا ، وحملوا ما رُوي في نسخ القنوت أو النهي عنه على أن المتروك منه هو الدعاء على أقوام بأعيانهم لا مطلق القنوت . والفريق الآخر من العلماء يرى أن القنوت في صلاة الفجر إنما يكون في النوازل التي تقع بالمسلمين ، فإذا لم تكن هناك نازلة تستدعي القنوت فإنه لا يكون حينئذٍ مشروعًا ، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة . فإذا أَلَمَّتْ بالمسلمين نازلة فلا خلاف في مشروعية القنوت في الفجر ، وإنما الخلاف في غير الفجر من الصلوات المكتوبة ؛ فمن العلماء من رأى الاقتصار في القنوت على صلاة الفجر كالمالكية ، ومنهم من عَدَّى ذلك إلى بقية الصلوات الجهرية وهم الحنفية ، والصحيح عند الشافعية تعميم القنوت حينئذٍ في جميع الصلوات المكتوبة ، ومثَّلوا النازلة بوباءٍ أو قحطٍ أو مطرٍ يَضُرُّ بالعمران أو الزرع أو خوف عدوٍّ أو أَسْرِ عالِمٍ . فالحاصل أن العلماء إنما اختلفوا في مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير النوازل ، أما في النوازل فقد اتفق العلماء على مشروعية القنوت واستحبابه في صلاة الفجر واختلفوا في غيرها من الصلوات المكتوبة ، وعليه فإن الاعتراض على قنوت صلاة الفجر بحجة أنه بدعة اعتراض غير صحيح ؛ بالنظر إلى ما تعيشه الأمة الإسلامية من النوازل والنكبات والأوبئة وتداعي الأمم عليها من كل جانب وما يستوجبه ذلك من كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى عسى الله أن يرفع أيدي الأمم عنا ويرد علينا أرضنا وأن يُقِرَّ عين نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بنصر أمته ورد مقدساتها ؛ إنه قريب مجيب . هذا إذا أخذنا في الاعتبار تواصل النوازل وعدم محدوديتها ، وأما من قال بمحدودية النازلة ووقّتها بما لا يزيد عن شهر أو أربعين يوما ، فالأمر مبني على أن من قنت فقد قلّد مذهب أحد الأئمة المجتهدين المتبوعين الذين أُمرنا باتباعهم في قوله تعالى :وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (النحل 43) ، ومن كان مقلدا لمذهب إمام آخر يرى صوابه في هذه المسألة فلا يحق له الإنكار على من يقنت ؛ لأنه لا يُنكَر المختلف فيه ، ولأنه لا يُنقَض الاجتهاد بالاجتهاد . والله سبحانه وتعالى أعلم
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق