ذات ليلة دخل الفضيل بن عياض على الرشيد ملك الملوك وأطفأ السراج..
فلم يكن من الرشيد إلا أن يبحث عن اليد التي أطفأت السراج عليه ..
وإذ به بيده تمس يد الفضيل بن عياض ويسمع صوته يقول له :
ما ألينها لو نجت غدا من عذاب الله ..
فسأله الرشيد لمَ جئت ؟
فأجاب الفضيل :
( لقد حملت على نفسك وجميع من معك حملوا عليك ولو سألتهم عند انكشاف
الرقاب عنك وعنهم أن يحملوا عنك نقصا من ذنب ما فعلوا . ولكن أشدهم
حبا لك أشدهم هربا منك .)
ثم قال في كلامه لأمير المؤمنين :
إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعى سالم بن عبد الله بن عمر ,
ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حبوة وقال لهم :
( إني ابتليت بهذا البلاء فأشيروا عليّ )
فقال له سالم :
إن أردت النجاة غدا من عذاب الله . فصم عن الدنيا , وليكن إفطارك فيها
على الموت .
وقال له محمد بن كعب :
إن أردت النجاة غدا من عذاب الله , فليكن كبير المسلمين لك أبا , وأوسطهم
لك أخا , وأصغرهم لك ولدا , فبرّ أباك وارحم أخاك , وتحنن على ولدك .
وقال له رجاء بن حبوة :
إن أردت النجاة من عذاب الله فأحب المسلمين ما تحبه لنفسك واكره لهم
ما تكره لنفسك .
فبكى هارون حتى أغميّ عليه .
فقال الفضيل بن الربيع :
ارفق بأمير المؤمنين .
فقال الفضيل عياض :
يا ابن الربيع قتلته أنت وأصحابك وأنا أرفق به .
فلما أفاق هارون . قال : زدني .
فقال الفضيل :
يا أمير المؤمنين . بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه السرف فكتب
إليه عمر يقول :
يا أخي اذكر سهر أهل النار في النار وخلود عباد الله فيها .
فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم عليه .
فقال له عمر :
ما أقدمك ؟.
قال : خلعت قلبي بكتابك لا وليت لك ولاية حتى ألقى الله .
فبكى الرشيد بكاء شديدا ثم قال زدني .
فقال الفضيل :
يا أمير المؤمنين إن جدك العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم جاء فقال :
يا رسول الله أمرني على إمارة .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :يا عم نفس تحبيها , خير من إمارة لا تحصيها
, إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل .
فبكى الرشيد .
ثم قال : زدني .
فقال الفضيل :
يا حسن الوجه إن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل .
وإياك أن تصبح أو تمسي وفي قلبك غش لرعيتك .
فبكى الرشيد ثم قال للفضيل : أعليك دين ؟؟.
فقال الفضيل : دين لربي يحاسبني عليه .
فقال هارون : إنما أعني دين العباد .
فقال الفضيل :
إن ربي لم يأمرني بهذا إنما أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره .
فقال الرشيد : هذه ألف دينار خذها لعيالك وتقو بها على عبادة ربك .
فقال الفضيل : سبحان الله أنا أدلك على النجاة وتكافئني بمثل هذا .
ثم خرج من عنده وتركه لبكائه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق