فوضى الحلال والحرام..... في غياب التشريع الحق
د. محمد الغزالي
الأمة الإسلامية اليوم تمثّل جماهير كثيفة من الشعوب المختلفة, والفروق بين الشعوب المتخلفة والشعوب المتقدمة كثيرة ومنوعة, ويمكن ردها إجمالاً إلى خلل حقيقي في المواهب الإنسانية الرفيعة؛ خلل عاق هذه المواهب عن أداء وظائفها باقتدار وإجادة!!
وليس يصعب على من يرقب الأمم المتأخرة أن يلحظ كسلها العقلي في ميدان المعرفة, وكسلها العقلي فى ميدان الإنتاج, وضعف الأخلاق التي تحكم أقوالها وأحوالها، وكثرة التقاليد التي تمثل طبائع الرياء والأثرة والملق والضياع الفردي والاجتماعي.
إن هناك انهياراً حقيقياً في البناء الإنساني للشعوب المتخلّفة، والإصلاح الجاد يستهدف إعادة هذا البناء ودعمه خلقياً واقتصادياً وسياسياً. ونحن -المشتغلون بالدعوة الإسلامية- نعالج هذا العمل الشاق، ونُزيح العقبات التاريخية والطارئة التي تعترض طريقنا، وما أكثرها!
وهناك أناس يعملون لهذا الهدف, هدف بناء أمة جديدة, ولكنهم -بمؤثرات شتى- لايرتبطون بالإسلام ولا يستشيرونه في حل مشكلة أو شفاء علة. وظاهر أن هؤلاء الناس هم الذين نشأوا في ظل الاستعمار الأوروبي, وآذاهم أن تكون بلادهم محقورة الشأن, مزرية الظاهر والباطن، فأرادوا أن تلتحق بالركب المتقدم عن طريق التشبّه به والاقتباس منه. ولما كان علم هؤلاء بالإسلام قليلاً فإنهم لم يحاولوا الإفادة منه أو الإرتباط به, بل مضوا في طريق التقليد للشعوب المنتصرة في ظاهر أمرها وباطنه, وعذرهم -أمام أنفسهم على الأقل- أنهم يبغون النهوض بأمتهم.
ولست الآن بصدد نقد هؤلاء، بل سأتناول باللوم والانكار مواقف بعض المتدينين القاصرين الذين يسيئون إلى الإسلام من حيث ينشدون خدمته. إن تبذّل النساء في هذا العصر بلغ حد السُّفه, وهبط إلى درك سحق من الحيوانية المنكورة, وصيحات الوعاظ لوقف التيار تذهب بدداً.
لماذا؟ لأن تناولهم لقضايا المرأة مشوب بالغموض أو الجهالة, متّسم بالسلبية والعجز, محكوم بتقاليد ما أنزل الله لها من سلطان. أغلبهم لو أمكنته الفرصة لرد المرأة إلى البيت, وغلّق عليها الأبواب, وحرمها مختلف الحقوق المادية والأدبية, وجعلها القدم العرجاء للإنسانية السائرة أو الجناح المكسور للأمم الصاعدة.
والمسلمون في العصر الماضي خالفوا الإسلام مخالفة مستغربة في الطريقة التي تحيا بها المرأة, فهم حرموها حق العبادة -بتعبير العصر الحديث- فلم تفتتح المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والعالمية للمرأة إلا بعد محاولات ومجادلات مضنية, ولم يتدخل الأزهر إلا بعد تطوره الحديث, مع أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل طلب العلم فريضة على الرجال والنساء، وهن حوائض ليشهدن الخير ويعرفن دعوة الإسلام.
وهم رفضوا أن يكون لها دور في إحقاق الحق وإبطال الباطل, وصيانة الأمة بنشر المعروف وسحق المنكر؛ مع أن الله قال في كتابه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة:71]
إن الفكرة التي سيطرت على أدمغة نفر من المتدينين, هي عزل المرأة عن الدين والدنيا معاً، واجتياح كيانها الشخصي والمعنوي.
ولاتزال هذه الفكرة أملاً يحركهم, ويحملها على ترويج أحاديث موضوعة أو واهية، وتكذيب أحاديث صحيحة أو حسنة, وعلى تفسير القرآن الكريم بآراء لم يعرفها أئمته, ولا قام عليها مجتمع الأصحاب والتابعين!!
بل استطيع القول: إن الجاهلية التي دُفِعَتْ إليها المرأة الإسلامية بهذا الفكر القاصر جعلتها دون المرأة في الجاهلية الأولى!
وكلمة أخيرة للمتّصلين بالعلوم الدينية إنه لا يشرفهم أن يتبعوا حديثاً واهياً ويَدَعوا الأحاديث الصحيحة, كما قال أن يعرفوا رأياً فقيهاً ويجهلوا رأياً آخر!! إنهم يضرون الإسلام ضرراً بالغاً حين تكون صورته في أذهانهم ناقصة أو شائهة, ثم حين يزعمون مع هذا النقصان والتشويه أنهم علماء الدين وحراسه.
إن القرن الأول -من بين القرون الأربعة عشر التي تمثل تاريخنا- هو أقرب الصور إلي حقيقة ديننا, فكيف يحكم الإسلام (متن) من متون الفقه ألف أيام الاضمحلال العقلي لأمتنا؟؟ أو كيف يحكم الإسلام تصوّف تركب في مجال السياسة أو المجتمع؟
لقد كان الاستبحار العلمي سمة ساطعة لأمتنا في أعصارها الأولى, فلا يجوز أن يقطعنا عن هذا الماضي الزاهي جهل عارض, أو فكر غامض.
ويوم يعود المسلمون إلى دينهم الحق, فإن التخلف المزري اللاصق بهم اليوم ستتجلى غمّته وتنكشف ظلمته، وسيأخذون طريقهم مرة أخرى إلى الصدارة والتقدم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق