موقع الفيزياء للدكتور مسعود

موقع الفيزياء للدكتور مسعود

الاثنين، 24 يناير 2011

 هو الشعب رايح فين؟!!
 
شأني شأن الكثيرين في بلدي أحب النكت، وأسعد بالمرح والابتسامات، وأتابع "آخر نكتة" لأضحك عليها وأضحك من حولي ... غير أن الضحك في الأيام الأخيرة أصبح له عندي طعماً آخر، امتزجت فيه السعادة بالألم ... حين وجدت الهزل قد استشرى في موضع من أهم مواضع الجد.

في جلسة من جلسات "السمر" تجاذبت أطراف الحديث مع عدد من الأصدقاء، ودارت بنا الأحاديث هنا وهناك، وكان لابد أن تستقر عند ما حدث ولا يزال يحدث في تونس وعدد من أوطاننا العربية ... ورغم أن الحديث بدأ جاداً يحلل ويناقش ما حدث، ويتوقع ويتمنى ما يمكن أن تؤول إليه الأحوال، رغم هذه البداية الجادة إلا أن أحدهم أمسك بدفة الحديث ليديرها في الاتجاه الآخر ... فقال: "سمعتم آخر نكتة حول هذا الموضوع ؟".

لم ينتظر صاحبي أن يجيبه أحد، بل انطلق كالمدفع يلقي بما عنده في وسط الجلسة .. "هل يستطيع أحدكم أن يقول لي الفرق بيننا وبين شعب تونس؟" ... قالوا جميعاً في صوت واحد: "لأ .. قول أنت" .. قال: "شعب تونس حين نقول له (ثور) يقوم بمظاهرات حتى يسقط طاغيته، أما عندنا فحين نقول للشعب (ثور) يقول (احلبوه)".

انفجر الجميع في الضحك، وكان لابد لي أن أضحك، فلا يمكنك أن تجلس وسط قوم يضحكون من قلوبهم دون أن تشاركهم ولو حتى بابتسامة ... وكانت هذه "النكتة" هي أول الغيث الذي تبعه وابل من النكات حول نفس الموضوع، وبشكل تلقائي وبسيط كان كل واحد من الجلوس يدلي بما عنده، بعضها نكات قديمة تم تحديثها، والأخرى نكات "طازجة" لم تنتشر إلا من ساعات قلائل ... لكنها جميعاً مضحكة وعفوية.

"لأ لأ يا جماعة .. والله الحكومة طيبة ومقدرة لمعاناة الشعب" ... أسكتت هذه الكلمات الجميع، فالكل يعلم أنها غير صادقة وجرب ذلك بنفسه ... "هل تعلمون آخر التعديلات التي أصدرتها الحكومة بتوجيهات من الريس على بطاقات التموين؟" ... لم يجبه أحد، ولم ينتظر هو أن يجيبه أحد بل انطلق ضاحكاً يقول: "لقد تقرر زيادة حصة كل مواطن من الزيت والسكر والأرز .. مع صرف لتر بنزين لكل مواطن وعلبة كبريت" ... وسادت حالة هستيرية من الضحك الجميع.

عجبت من قدرة الناس في بلادي على السخرية من كل شيء، حتى من همومهم وآلامهم، كيف للمكلوم أن يسخر من جرحه ويضحك منه بدلاً من أن يسعى لعلاجه؟! ... وأنى للمهموم أن يطلق للسانه العنان ليسخر من همه ويرسم بسمة على شفتيه وشفاه من حوله بدلاً من علامات الألم؟! ... يبدو أن هذا هو سر تلك القدرة الهائلة على التحمل والصبر التي "يمتاز" بها شعبي، وربما هو السر الذي أبقاه – وسيظل يبقيه – هادئاً متفرجاً والتاريخ يـُصنع من حوله.

أفقت من أفكاري تلك على "غمزة" ممن بجانبي، ونظر في عينيي وهو يقول بصوت لا تكاد تستبينه من الضحك: "دكتور ... اسمع هذه النكتة .. والله العظيم طاااازة" .. ولما لم يجد مني استجابة شرع يقص ما عنده: "أمر الريس كل شركات الطيران في البلد أن تزيد من طاقتها، وتشتري طائرات جديدة وكثيرة، وتكون على أهبة الاستعداد .. هل تعرفون لماذا؟" ... وحين رأى علامات التعجب على وجوهنا جميعاً أدرك أننا لم نسمع "النكتة" من قبل، فاضطجع في فخر، وتأنى في الإجابة، ثم قال على حين غرة: "لأنه قد يحتاج أن ينقل الشعب كله إلى (جـَدَّة)".

انفجرت قنبلة من الضحك والجميع يتخيل بلده كلها يتم تفريغها من أهلها ليبقى فيها الرئيس وأسرته وأتباعه المخلصون ... وذكرتني هذه النكتة بأخرى قديمة تقول أن الريس حين قالوا له: "ألن تلقي خطبة الوداع على الشعب؟" .. تعجب كثيراً وسأل مستنكراً: "ليه ... هو الشعب رايح فين؟!!".

ضحكت رغم الألم، واختلطت دموع الحزن في عيني بدموع الضحك .. ووجدت نفسي أقول لمن حولي: "منكم لله ... أضحكتموني رغم الهَمِّ النكد ... الله ينكت عليكم".
 
منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

TvQuran

الوقت من ذهب فلا تضيعة فيما لا يفيد

شرح مبسط جدا لبعض الظاهر الفيزيائية