ذهاب الشيخ إلي باريس
بقلم: د. محمد عمارة
كان*محمد علي*باشا*[1184ـ1265هـ 1770ــ1849م] القائد لبناء دولة مصر الحديثة. ولذلكلقبوه ب"ولي النعم".. وكان*رفاعة الطهطاوي*[1216ــ1290هـ 1801ــ1873] رائد الفكروالثقافة للأمة في مصر والشرق بالعصر الحديث..*ولذلك وصفه*أمير الشعراء أحمد شوقي(1285ــ1351هـ 1868ــ1932م)*بأنه أبوالشعب المصري*، فقال في الثناء علي*ابنه*:
يابن من أيقظت مصرا معارفه.. أبوك كان لأبناء*البلاد أبا
كان*الشيخ رفاعة*أنجب تلاميذ العالم المجدد*شيخ الاسلام حسن العطار(*1180ــ1250هـ 1766ــ1835م), الذي رشحه إماما للبعثة المصرية التي ذهبت لطلب العلوم*المدنية في باريس سنة 1826م, فشرع*الطهطاوي*في تعلم الفرنسية منذ أن وطئت قدمه أرض*السفينة التي أقلته من الاسكندرية إلي مرسيليا.. ودرس علوم النهضة الأوروبية- كما*رآها في باريس، والتحق بصفوف البعثة طالبا للعلم، وتخصص في الترجمة، ودون مشاهداته*في باريس بكتابه:*( تخليص الإبريزفي تلخيص باريز).*وعاد إلي مصر سنة 1831م*ليكون*إمام علوم التمدن المدني والتجديد الديني*منذ ذلك التاريخ وحتي هذه اللحظات.
وفي*باريس ــ ورغم الفارق بين عزلة مصر العثمانية والازدهار الحضاري في فرنسا ــ*لم*يندهشالطهطاوي*بما رأي، وإنما أعانه تكوينه الأصولي في الأزهر الشريف علي أن يميز*في النموذج الحضاري الغربي بين الإيجابيات والسلبيات:
قد رأي في فرنسا ازدهار علوم التمدن المدني، التي يتأسس عليها تقدم الوطن، والتي تهتم بالمقاصد، وليس فقط بالوسائل والآليات ــ كما هو الحال عندنا*في ذلك التاريخ ـ*فكتب يقول:وسيظهر فضل هؤلاء النصاري في العلوم عمن عداهم، وبذلك تعرف خلو بلادنا من كثير*منها، وأن الجامع الازهر المعمور- بمصر القاهرة، وجامع بني أمية- بالشام، وجامع*الزيتونة- بتونس، وجامع القرويين- بفارس، ومدارس بخاري، ونحو ذلك.. كلها زاخرة*بالعلوم النقلية، وبعض العلوم العقلية: كعلوم العربية، والمنطق، ونحوه من العلوم*الآلية.*وخالية من*العلوم الشريفة التي ينتفع بها، ويحتاج إليها في الدولة والوطن:*كعلم الطب، والهندسة، والرياضيات، والفلكيات، والطبيعيات، والجغرافيا، والتاريخ، وعلوم*الإدارة، والاقتصاد في المصاريف، والفنون العسكرية، وكل ماله مدخل في فن أو*صناعة.
وامتدح*الطهطاوي*ــ عند أهل باريس ـ إطلاق لقب العلماء علي أهل التمد، وليس فقط علي علماء الدين كما هو الحال عندنا ـ وتحدث عن الثورة الباريسية التي*شاهدها، وعن الحرية والدستور ـ الذي كان غريبا عن الحكم الشرقي في ذلك التاريخ ـ*كما شاهد المسرح، ورأي فيه مدرسة لتربية الشعوب.
<**وإلي جانب هذه الايجابيات*ــ في النموذج الحضاري الغربي ــ انتقد*الطهطاوي*ما في هذا النموذج من سلبيات..*انتقد الفلسفة الوضعية المادية- التي تعزل العقل عن الشرع، فلاتؤمن بالغيب والوحي*والدين..*وقال عنها: ولهم في الفلسفة حشوات ضلالية مخالفة لكل الكتب السماوية.. فهممن الفرق المحسنة والمقبحة - بالعقل وحده، أو من الاباحيين الذين يقولون ان كل عمل*يأذن فيه العقل صواب، ولذلك فهم لا يصدقون بشيء مما في كتب أهل الكتاب لخروجه عن*الأمور الطبيعية.
انتقد*الطهطاوي*هذه الفلسفة الضالة، وأعلن عن موقف الاسلام*الجامع بين العقل والشرع،*فقال: إن تحسبن النواميس الطبيعية لا يعتد به إلا إذا*قرره الشرع.. وليس لنا أن نعتمد علي ما يحسنه العقل أو يقبحه- إلا إذا ورد الشرع*بتحسينه أو تقبيحه.. فكل رياضة لم تكن بسياسة الشرع لا تثمر العاقبة الحسني..*فينبغي تعليم النفوس السياسة بطرق الشرع، لا بطرق العقول المجردة.
<*وأشار*الطهطاوي إلي ما رآه في باريس من معادلة غريبة.. فلقد رأي علوما مزدهرة تشرق شموسها*علي المجتمع..*كما رأي تهميشا للدين وانتشارا للزندقة بسبب الفلسفة المادية الوضعيةالتي عزلت أهل باريس عن دين النصرانية.. وصاغ هذه المعادلة الغريبة.. شعرا أو نثرا*ـ*قال فيه:
أيوجد مثل باريس ديار.... شموس العلم فيها لا تغيب
وليل الكفر ليس*له صباح... أما هذا, وخفكم, عجيب؟!
فهذه البلاد مشحونة بكثير من البدع والفواحش*والضلالات، وإن كانت من أحكم بلاد الدنيا في العلوم.. وإن*أكثر أهلها ليس لهم من*دين النصرانية إلا الاسم فقط، فلا يتبعونه، ولا يغارون عليه.
<**ولقد ظل*الطهطاوي*ــ طوال تاريخه الفكري ــ وفيا لهذا الموقف المتوازن إزاء النموذج الحضاري*الغربي.. فلقد أشرف علي ترجمة علوم التمدن المدني ـ العلوم الطبيعية وتقنياتها ـ فيذات الوقت الذي اشتغل فيه بإحياء كنوز التراث الاسلامي، ودعا إلي تقنين فقه الشريعةالاسلامية.. ليكون قانون الأمة في التشريع والقضاء.. وعندما بدأ تسلل القانون الفرنسي*ــ الوضعي العلماني ـ إلي المواني التجارية المصرية ـ في ركاب التجار الأجانب ـ*علي*عهدالخديوي سعيد*ـ في بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر ـ رفض*الطهطاوي*هذا*الاختراق العلماني لمنظومتنا القانونية الاسلامية، ونبه علي وفاء فقه المعاملات*الاسلامي بكل ما تحتاجه حياتنا الاجتماعية..*وكتب يقول: إن المعاملات الفقهية لو*انتظمت وجري عليها العمل لما أخلت بالحقوق، بتوفيقها علي الوقت والحالة. ومن أمعن*النظر في كتب الفقه الاسلامية، ظهر له أنها لا تخلو من تنظيم الوسائل النافعة من*المنافع العمومية، حيث بوبوا للمعاملات الشرعية أبوابا مستوعبة للأحكام التجارية:*كالشركة، والمضاربة، والقرض، والمخابرة، والعارية، والصلح، وغير ذلك.
وأعلن*الطهطاوي*عن أن الشريعة الاسلامية لا تحتاج إلي بديل، وإنما تحتاج إلي التجديد،*والتقنين الحديث.وقال كلماته الجامعة: إن بحر الشريعة الغراء- علي تفرع مشارعه- لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها بالسقي والري ولم*تخرج الأحكام السياسية عن المذاهب الشرعية, لأنها أصل, وجميع مذاهب السياسات عنها بمنزلة الفرع.
ولقد ظل*تلاميذ*الطهطاوي وفي مقدمتهم*محمد قدري باشا*(1237ـ1306هـ 1821ـ1888م] يجاهدون ضد علمنة*القانون ـ حتي بعد الاحتلال الانجليزي لمصر سنة 1882م.. والبدء بعلمنة القانون سنة*1883م..*فقام*قدري باشا*بتقنين فقه المذهب الحنفي،*ليكون بديلا لقانون*نابليونالذي*فرضه الاستعمار.
هكذا ذهب*الشيخ رفاعة*الي باريس، محتفظا بتوازنه الفكري، فميز*في حضارتها بين الايجابيات والسلبيات.. وعاد الي وطنه مستلها الايجابيات، ويحذر من*السلبيات.. وبهذا المنهاج صاغ ثقافة مصر، وطبع ثقافة الشرق،*واستحق أن يكون أبا*للشعب ـ كما قال أمير الشعراء.
موقع الفيزياء للدكتور مسعود
الجمعة، 30 ديسمبر 2011
الاثنين، 26 ديسمبر 2011
مضت سنة الله
فرعون موسي نشر بين الناس أن المعترضين عليه هم قلة مندسة (إِن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون) ثم أشاع أن موسي يهدف إلي تخريب البلاد وزعزعة الإستقرار (إني أخاف أن يبدل دينكم أو ان يظهر في الأرض الفساد) ثم عمل علي تلويث سمعته ونشر الإشاعات وإتهامه بالباطل لصرف الناس عنه (إن هذا لساحر مبين) ثم سيطر علي كل وسائل الإعلام وأنفرد بإتخاذ القرارات معلنا نفسه وصيا علي الشعب وأنه الأدري بالنافع والضار له (ماأريكم إلا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) فكانت النتيجة أن تأثر به الخائفين والمتبلدين والفاسدين (فاستخف قومه فأطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين) ثم مضت سنة الله وانتصر الحق وجعله الله عبرة لمن خلفه (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) صبرا فإن وعد الله حق ....
(منقول)
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)